البروفيسور شريف حرير للراكوبة: سقوط الفاشر يعني نهاية الحركات المسلحة

اوره محمد يوسف وردي

إلى جانب خبرته الأكاديمية يحمل بروفيسور شريف حرير صفات القائد السياسى الذى يتوفر على المعرفة والثقة والنزاهة والإبداع والتواصل والقدرة على فهم الآخرين، وفوق ذلك كله يتميز حرير بأنه من القلائل بين ساسة السودان الذين يحملون رؤية ذات شمول ويملكون فكرة عن خطة طويلة المدى للمستقبل. وهذا التميز يأتي حقيقة من جهة أنه استطاع أن يخلق رؤية قيادية قوية -نتيجة لإلتصاقه بأهله وحمله معاناتهم آناء الليل وأطراف النهار، علاوة على أنه في كل الأوقات يطمح للكثير توقا للحرية وشوقا للديمقراطية وتشبثا بالحقوق وفى مقدمتها الحق في الكرامة- وعندما نقول رؤية نقصد بها تلك الرؤية التي تعمل كخريطة لتوجيه الناس نحو الإتجاه الصحيح، الرؤية التي تتحدي الناس لكي يلزموا أنفسهم بتحقيق الصالح العام الأكبر وعلى رأسه الالتزام لدفع التغيير التحويلي.

برز حرير خلال سنوات المعارضة ضد نظام الرئيس المخلوع عمر البشير بجديته وعزيمته، وتمتعه بمهارات سياسية مكنته من فهم الآخرين بشكل فعال واستخدام هذه المعرفة للتأثير على الآخرين وإلهامهم للتعمق فى موضوعات المعارضة حتى تتصرف الفصائل بطريقة تعزز قدرة التجمع الوطنى المعارض على تحقيق الهدف المشترك، والذى تعذر للأسف لأن بعض أطراف المعارضة تخاذلت فيما باع آخرون انفسهم لأعدائهم الذين يحكمون فى الخرطوم.
إلى جانب ذلك تكمن قوة عبقرية شريف حرير فى قدرته على إيصال ما يخبئه المستقبل بوضوح وحيوية، الأمر الذى كان يشجعنا كصحفيين نغطى اخبار المعارضة على تعزيز التواصل معه كونه كان يدهشنا بتوقع ماهو آت سواء كانت اختراقات أو فرص أو حتى عقبات وعراقيل.

عمل شريف حرير لضمان أن تصبح رؤيته حقيقة، فحدد أولويات اهدافه وحافظ على السير فى المسار الصحيح تجاوبا مع أصوات المعارضة التى كانت تهتف فى السودان (بكرة التجمع جاي)، في وقت كان يصر فيه آخرون على قيادة المعارضة بدون رؤية مثلما هو حاصل اليوم تماما ،مضى حرير فى الطريق الذى يتسق مع اتجاهات وقيم شعبه، وكم فى السودان من قادة حقيقيين ذوى عزيمة وجدية مثل شريف حرير لكنهم غير قادرين على إنجاز المهمة.
وعرف شريف كباحث ذي قدرة تحليلية وفضول لا يشبع يدفعه إلى طرح الاسئلة بحثا عن إجابات وسعيا لاستكشاف الأفكار الجديدة حيث أصدر عدة كتب علاوة على كتابة المقال السياسى والخطابة فى المنابر سواء كانت ندوات أو سمنارات أو مؤتمرات تناقش مشكلات ملف السودان.

البروفيسور شريف حرير مع الأستاذ محمد يوسف وردي
البروفيسور شريف حرير مع الأستاذ محمد يوسف وردي

بعد مرور أكثر من عقدين من آخر لقاء معه جاء حرير إلى واشنطن في الأسبوع الماضي في مهمة عمل، وكان هذا الحوار الذى وقفنا فيه على بعض المحطات فى مشواره الطويل بين الأنثروبولوجيا والسياسة:

هذا حوار يا بروف نرجو أن يأخذ بين الأنثروبولوجي والسياسة شاملا مساهماتك الفكرية بصفة عامة .وفى البداية دعنا نأخذ فكرة إلى أي مدى استطاعت الدراسات الأنثروبولوجية التى أجريتها أن تنفذ إلى المشكلة السودانية بشكل اعمق؟

شكرا جزيلا. كان عندنا فى جامعة الخرطوم فى نهاية السبعينات وبداية الثمانينات كورس اسمه (المجتمعات السودانية) وكان الغرض منه تعريف طلاب علم الاجتماع بالتعدد والتنوع الموجود فى المجتمع السودانى. كنا نقدم للطلاب السودان بتنوعه الإثنى والدينى والقبلى حتى سبل كسب العيش فيه، شاملاً التنوع الغني فى كل مناحى الحياة، بداية من الشمال حيث الحلفاويين والمحس والدناقلة ثم نعرج على البديرية والشايقية حتى بربر ثم نتجه جنوبا وغربا حتى نصل لقبائل دارفور وكردفان والنيل الأزرق ثم شرق السودان، إلى أن نصل إلى الجنوب حتى حدودنا مع زائير ويوغندا فى ذلك الزمان الذى كان فيه السودان مجاورا لتسع دول بما تتضمن من محموعات سكانية مشتركة معنا.

قيمة هذه الخطوة تنبع من أهمية معرفة مفاهيم الثقافة. وفي السودان عندما يقولون للشخص إنه مثقف كانوا يقصدون أنه تلقى تعليما. لكن الطالب عندنا كان يتم تدريسه مفهوم أن لكل مجتمع ثقافة وقيم ثقافية هى التى تقوم الإنسان، وتقدم له طرق حل المشكلات التى تواجهه من إقتصاد وقرابة ودين. بل كل مناحى الحياة كنا نقدمها لهم لأهميتها كونها تشكل الأساس لتحليل المجتمع الإنسانى. وبعد ذلك يتقدم الطالب فى دراسته ليبلغ مرحلة المقارنة على مستوى العالم. هذه الوسيلة تعطينا موجهات لفهم المجتمعات وتصورها ومعرفة ما إذا كانت القيم الثقافية تتعارض مع القيم السياسية أو الدينية أو غيرها لكي يتم إنتاج المنتوج الذى أمامنا فى خاتم المطاف.

تبدو القيم الثقافية متشابهة إلى حد كبير بين المجموعات الثقافية في السودان؛ لماذا رغم التقارب عجزت شعوب السودان عن خلق انسجام يمكنها من بناء أمة عظيمة

ولماذا يلف الكثير من السودانيين حول دائرة وهمية بلا طائل عندما يتعلق الأمر بتحليل هذا الاخفاق علما بأن سودانيين عديدين قد أتيحت لهم الفرصة لدراسة الماجستير والدكتوراة فى الغرب فوقفوا على علوم الغرب ورغم ذلك لم يستطيعوا تقديم رؤية متحدة على الأقل تكون مقنعة للوجود السوداني؟

بالطبع مجتمعاتنا قيمها متقاربة وشديدة التشابه. خذ الكرم مثلا. إذا حللت ضيفا على أي مجتمع سوف تكرم. و بنفس المستوى الذى تُكرم به فى وادي حلفا ستُكرم فى حلتنا فوراوية وبنفس المستوى فى الجفيل والكرمك وقيسان .. القيم الثقافية تقول : هذا الضيف يجب أن تكرمه بأفضل ما لديك. وفي العادة السؤال الذى يتردد عندما يستقبلك مضيفك هو : من وين في الأهل، يقصدون أن لا ينسبوك إلى شئ بعيد بل الأهل. والغرض من ذلك هو التعرف عليك أكثر إما عن طريق قبيلتك أو أسرتك أو منطقتك لكى يتعاملوا معك خلال أيام ضيافتك وهذا شكل من أشكال التعارف.

البروفيسور شريف حرير: “شباب الثورة أسقط المشروع العربو إسلامى بالضربة القاضية”

وبالطبع هناك انفصال بين الطبقة الحاكمة وبين مجتمعاتنا. ومثلما نقول دائما بعد رحيل الاستعمار الخارجى فإن السودانيين الذين قاموا بوراثة الاستعمار الداخلى متمثلا فى الثمانمائة وظيفة التى تم سودنتها كانوا منفصلين عن المجتمع السودانى. وكما كان الإنجليز يسكنون فى البيوت المؤقتة ( الكرانيك ) أقام كل واحد منهم فى كرنك وشكلوا أحياء الموظفين .. وبعبارة أخرى رحل السكان الأولون المستعمرون فجاء جدد بدأوا فى التعامل مع مجتمعهم عن بعد فخلقوا مسافة بينهم وبين ناسهم. وبمعنى آخر فإن المواطن السودانى إذا أصبح كفؤا لشغل وظيفة ما وتم تعيينه كضابط مجلس فى وادى حلفا أو الفاشر مثلا سيسكن فى هذا الكرنك. هذا يخرجك من مجتمعك لأنك حتى لو كنت من أبناء وادى حلفا أو الفاشر ستسكن فى الكرنك. وهكذا كلما تقدمت فى وظيفتك ومرتبتك ستزداد المسافة بينك وبين مجتمعك أكثر وأكثر. وينبغي ألا ننسى أن الناس لديها تصور بأن هذا الموظف ينبغى أن يلبس ويسكن بطريقة خاصة ويتعامل مع الناس بطريقة خاصة وهى كلها أشياء تخرجك من مجتمعك حقا. وبالتالى فإن هذا الموظف إما أن يكون غريبا عن المجتمع أو أن يعمل على تغريب المجتمع منه. وهكذا كان ذلك الموظف يتعامل وكأنه ليس مولودا فى ذلك المكان وكل مايريده هو ملأ المكان الشاغر بمغادرة المستعمر الخارجى. وفيهم من بالغ فى التمتع بالامتياز والعيش بطريقة معينة .. يأتى من المكتب ويتناول غداءه وينام قليلا ثم يأخذ حمامه ويخرج ليس لملاقاة الأهل بل لنادى الموظفين وبذلك يكون طوال يومه معزولا. وبعد أن يكمل سنة أو سنتين فى وظيفته سنجده وقد تحول لشخص آخر لا يمكن الوصول إليه كمن يعيش فى برج عاجى، وقياسا على ذلك يمكنك فهم الانقطاع بين المجتمع والشخص المتعلم الذى يشغل وظيفة.

ما الذى حدث لدولة ما بعد الاستقلال ..لماذا تنكبت الطريق؟

نلنا الاستقلال ولم يكن أمامنا أى مشروع وطنى لا تنموى ولا اقتصادى ولا غيرهما. ورثنا الدولة من الإنجليز ووجدناها جاهزة بجيشها وشرطتها وكراسى سلطتها التى جلسنا عليها وبدأنا إدارة الدولة بنفس الطريقة التى كان يقوم بها المستعمر الخارجى. استمرينا فى جباية الضرائب دون أن يكون فى يدنا أى مشروع وطنى واليوم بعد مرور ٦٧ عاما من الاستقلال ليس لدينا دستور دائم.. هل هناك كسل فكرى أكثر من هذا ؟.. الذى حدث بالضبط أننا أدخلنا أقدامنا فى حذاء المستعمر وقمنا بادارة الدولة وكأننا لا ننتمى إليها وكأننا قادمون من الخارج ولا ننتمى لمجتمعاتنا التى عجزنا عن جرها معنا فى خطط تنموية تنفذ لصالحهم. رغم وجود مشروع الجزيرة الذى يعتمد عليه البلد كله ركزنا الخدمات فى المدن .. لقد ورثنا هذا النظام الخانق واستمررنا فيه. كان من الممكن أن نسوق التبريرات فى زمن الاستعمار بحسبان أنهم قادمون من وراء البحار ويتلقون التعليمات من لندن. لم نحسن التصرف للأسف وبالتالى فإن مسألة الانفصال بين النخبة والمحتمع توسعت أكثر.

#لكن يا بروف هناك من يقول إن الاستعمار قصد ذلك فمثلا فى قطاع التعليم كان يصر على إعداد موظف أفندى وليس موظفا مرتبطا بمجتمعه..وفى هذه الحالة هل نلقى بالمسئولية على سياسات المستعمر أم على النخبة؟ وهل كان هناك أصلا إمكانية للتغيير أم أن النظام الذى أقيم كان يرتكز على أن الاستعمار الخاجى كان قد ربطنا أصلا بالأسواق الخارجية؟

كان يمكن للرعيل الأول أن يفكروا فيما ورثوه. الاستعمار ماهو إلا قوة زائدة جاءت واستلمت بلادنا وجرتنا للسير فى مشوارها المتعب..لكن بعد أن نلت استقلالك كان يجب عليك وضع خطة تنموية وفق مشروع وطنى تبديلا وتغييرا عن سياسة الاستعمار. لقد صاحبهم القصور لا سيما وأنهم يعرفون هذه الدولة منذ أيام الاستعمار ويدركون مثلا أن هناك من يطالب بالفيدرالية خذ إخواننا الجنوبيين مثالا حيث وعدوهم وأخلفوا عندما جاء الاستقلال… لم يكن فى يدهم برنامج، فقط توهطوا كراسى الوظيفة ورأوا أن الترقيات أهم لهم من أى شئ آخر.. نعم كانوا موظفين تحت سلطة الإنجليز ولم يكن القرار فى يدهم ولما غادر الإنجليز تصرفوا وكأن الاستعمار لا يزال موجودا . وهكذ فإن المسالة كلها فى رأيى تتلخص فى (إضاعة الفرص) عندما أصبح القرار فى يدهم. كان أمامهم فرصة التغيير والنهوض بالبلد وأن يخططوا لكى يتغير مجتمهم نحو الأفضل بدلاً عن القراءة من كتاب المستعمر وبدلا عن خلق دروب جديدة أصرينا على السير فى درب الإنجليز المطروق وهذا شكل مصدر خيبة الأمل التى عاشتها عموم السودانيين.

شريف حرير: “الحديث عن انفصال دارفور يصدر من أصوات فردية معزولة لا تمثل الشمال”

# هناك من يعزو الخلل لفترة أبعد من الإنجليز بالذات التحالفات التى أظهرت أصحاب المصالح منذ سقوط سوبا، برأيك هل لهذا الإخفاق امتداد تاريخي عميق؟

دعني أعود للسؤال السابق حول مؤامرة الإنجليز التى تكلمت عنها..إذا كانت هذه النظرية صحيحة فإنها لن تصمد كثيراً. وبالنسبة لى فهى تبدو غير صحيحة. إن الانجليز كانوا يحكمون بالنيابة عن سلطة استعمارية وبالتالى ماكانوا لينفذوا أكثر مما نفذوه. همهم كان الأمن والسياسة والحكم الرشيد حسب قوانينهم.. الذين جاءوا من بعدهم هم من كان يجب عليهم أن يطوروا البلاد.

أما عن الخلفية التاريخية، فدائما هناك استمرارية تاريخية للأشياء بطريقة ما. تلك التقسيمات لا تتعلق بسوبا وحدها. إذا تتبعناها للوراء يجب علينا استصحاب مسألة أن المركزين اللذين تم انشاؤهما فى دارفور وسنار تبعدان سنين طويلة عن تاريخ بناء الدولة وبالتالى هناك نظام قام على أنقاض سوبا. وحسب الوقائع التاريخية التى نعرفها كان ممكنا خلق دولة فى هذه المنطقة ولا تنس الضغوط الخارجية التى كانت تحيط بالبلاد. فقد كانت أوربا فى حاجة للتوسع ثم جاء عصر الرحالة والمستكشفين. فى اعتقادى خلقت الضغوط الخارجية وبعض العوامل الداخلية الطريقة التى ظهر بها السودان.

# هل يستند تحليلك هذا على الرؤية التاريخية لأنه كما تعلم هناك عدة مدارس لتحليل الأزمة السودانية سواءً كان المنهج الماركسى أو منهج التحليل الثقافى وأنتم لديكم المدرسة الأنثروبولوجية لقراءة التاريخ بكافة أشكاله ؟ وبرأيك أى هذه المدارس أقدر على توصيف الظاهرة السودانية وتقديم رؤية مختلفة لتحديد على الأقل ما إذا كانت الأزمة تولدت أصلًا نتيجة لهيمنة الثقافة العربية الاسلامية.؟

برأيي الإنسان كل متكامل ولا يمكن فصل الثقافة والتاريخ والاجتماع لأنها كلها تتكامل لكى تخلق الأوضاع الإنسانية. وكوننا نأخذ واحداً من هذه العوامل لوحده لن يساعدنا على إسداء خدمة جيدة للمعرفة والحقيقة وبالتالى يجب علينا أخذ المسالة برمتها، لأن التحليل الثقافى لا يكتمل إلا بالتحليل الاجتماعى والتاريخى، أى شيء له تاريخ وإذا نزعت عنه التاريخ سيصبح مثل قهوة تصنع للتو أمامك وليس لديها تاريخ لأنها شئ آنى كأنك قطعت من الشئ ذنبه. أرى أنه من الواجب علينا أخذ كل العوامل فى الاعتبار ..كل هذه القراءات مهمة ومفيدة فى فهمنا للظاهرة الاجتماعية التى نتناقش حولها والتى هى الإنسان وخلق الدولة والعلاقات البينية مع الإنسان والعلاقات السياسية والاجتماعية الخ الخ.

# كما تعلم ظهرت فى الغرب الدراسات متعددة التخصصات من تاريخ واجتماع وثقافة كلها تخضع الظواهر للتحليل من زاويتهم بغرض تقديم تصور أشمل. برأيك هل يحتاج السودان لكل هذه المناهج لتقديم رؤية جديدة وأصلًا هل حدث مثل هذا الأمر من قبل فى تاريخ السودان الأكاديمي حسب مبلغ علمك. أعني الاتجاه نحو الدراسات الموسوعية بدل الاعتماد على جهد شخص واحد بعلم واحد.؟

كل المدارس التنموية فى حاجة لتكامل العلوم. لذلك كنا فى أبحاثنا فى جامعة الخرطوم مثل مشروع أبحاث البحر الأحمر الذى عملنا فيه عبر برنامج به تعدد فى المناهج وتعدد فى العلوم لكى تصب كلها فى بحر واحد. لأنك أصلا ستواجه بسؤال مفتاحى حول كيف أن الثقافة والاجتماع والسياسة والزواج هى مظاهر من سلوك انسانى ومجتمعي، ونحتاج لتعدد وتداخل العلوم لكى نكون صورة أفضل للواقع بشكل متكامل. وهذا هو الاتجاه الذى كان سائدا فى السودان فى الماضى كان كل واحد ينظر للأمور من زاوية علمه وواقعه منعزلا عن الآخر. لذلك خصصوا فى كلية الاقتصاد بجامعة الخرطوم السنة الأولى لتدريس كل هذه الأشياء وتدريجيا أنت تتعلم كل شئ وعندما تصل إلى السنة الثالثة تبدأ التخصص سواء فى الانثروبولوجى أو الإحصاء أو غيرهما.

# منذ سوبا كان واضحا أن الهيمنة العربو اسلامية سيكون لها آثار مدمرة بعيدة المدى كونها عابرة للعصور بدليل أن سطوتها تبدو أكثر اشتدادا فى زمننا هذا. وذلك على الرغم من أن تاريخ شعوب السودان يظهر انفتاحهم الفكرى وتقبلهم للآخر مع ملاحظة انتقاء الحروب الدينية وحتى يمكننا إيراد مسألة وصول الجلابة إلى دارفور كمثال آخر لأنه أساسا إذا كان إنسان دارفور مختلفا عنه لماذا فكر الشمالى فى الذهاب إليه والتساكن معه. واضح أن أصحاب المشروع العربو إسلاموي لا يريدون أى تغيير ايجابى فى هذا البلد وهم يعملون جاهدين لإبقاء الوضع على ما هو عليه .. الى ماذا تعزى هذه الظاهرة.؟

الهيمنة هى أداة سياسية بيد مجموعة لديها مصالح مشتركة وتريد الحفاظ على هذه المصالح .بالنسبة للمجموعة التى ذكرتها فهى تنظر للمجتمع السودانى باعتباره يتشكل من أغلبية مسلمة والإسلام مربوط بالجزيرة العربية حيث مكة والمقدسات الموجودة عند العرب وبالتالى يرون العروبة أرفع من ثقافتك المحلية رغم أن إنساننا أنتج حضارة عظيمة فى وادى النيل وهى أقدم من حضارات العرب، وأصلا العروبة لم تخلف لنا غير حروب داحس والمعلقات السبعة..أصحاب المصالح الذين ذكرتهم يرون أن استخدام راية الثقافة العربية الاسلامية يوصلهم لأهدافهم ويخلق بينهم تماسكا فى الهوية، هذا الأمر له علاقة كذلك بمسألة المشاعر البدائية حيث يقوم أحدهم بدغدغة المشاعر الدينية والإدعاء بأنه حامى الدين كشخص مستقيم أضف إلى ذلك قيامه بدغدغة المشاعر القبلية والعنصرية التى ترى أن العرب أرفع من الزنوج الأفارقة رغم أنه هو نفسه أفريقي ويعيش فى أفريقيا . الأمر برمته أداة هيمنة وسلطة تجر البعض بالدين وتجر البعض الآخر بالعروبة لتخلق أتباعا بالضبط كما هو حادث مع دونالد ترمب الذى لا ينتمى طبقيا لمؤيديه ولا يشبههم لكنه يؤثر عليهم بدغدغة المشاعر البدائية .نفس الشئ حاصل عندنا فى السودان .. دغدغة مشاعر العروبة والإسلام للوصول إلى السلطة، ولذلك منذ الاستقلال مشاريعنا تدور إما حول الصحوة الإسلامية أو الدستور الإسلامي او المشروع الحضارى الإسلاموي.. هذه بلا جدال مشاعر يحركها الشخص الموجود فى السلطة لكى تدوم السلطة..

# على ذكر ترمب ومؤيديه ومنهم حاكم فلوريدا الذى يكرس ثقافة الإلغاء فى ولايته بمنع تدريس تاريخ الامريكيين الأفارقة القائم على الرق فى المدارس العامة، معلوم أن الجمهوريين يسيطرون على برلمان الولاية ويفصلون له القوانين.. اذا كانت الديمقراطية قد عجزت عن علاج مثل هذا السلوك فى بلد مثل امريكا يقال عنها إنها واحة الديمقراطية ماذا فى يد شعوب السودان للتغلب على مثل هذه المشكلات التى تصل حد القتل على أساس الهوية؟

الديمقراطية هى الأساس المتين الذى يخلق فرص المشاركة للناس بحر إرادتهم. لكن مع التفاوت فى حظوظ الدنيا كالغنى والفقر. البعض يساوم على الديمقراطية لكن بالنسبة لنا فى السودان بالذات أعتقد أن المشاركة التى توفرها لنا الديمقراطية هدف نصبوا إليه،لكن أى ديمقراطية هى التى تناسبنا ..هذا أمر يستلزم أن نراجع جميعا تفكيرنا حوله. الذين طبقوا نظام ديمقراطية ويستمنستر أخذوا منه صندوق الاقتراع وحده دون مراعاة لمتطلبات الديمقراطية الأخرى.

مهما كان شعوبنا تحتاج للديمقراطية وتحتاج منا نحن المتمردين فى الانتلجنسيا السودانية أنت وانا وغيرنا أن نقود التطور لكى ننجز ديمقراطية التحول حتى نستعيد دولتنا بعدما حولها الإسلاميون لدولة جبهة وحزب. علينا توعية شعبنا من أجل خلق مشروع واضح المعالم لكى ننجز الدولة الديمقراطية.

 

 

#لكن ماذا عن الآليات لتحقيق ذلك. هل في أيدينا وسائل للإنجاز في هذه الظروف غير المواتية؟

مازالت الوسائل النضالية الأربعة التى انتخبناها منذ أيام التجمع الوطنى صالحة. وأولا وكما تعلم فإن العمل العسكرى قد فرض علينا ولم يكن على الإطلاق خيارا أوليا. الحكومة أجبرت الناس جميعا بمافيهم قرنق على حمل السلاح ..كنت تقول أنك مظلوم ولا أحد يستمع إليك. ثم يأتى ثانيا العمل الشعبى التعبوى وسط القواعد لترسيب المقاومة الشعبية كما حدث فى ثورة ديسمبر وقبلها فى أكتوبر وأبريل. وهذه أسلحة مجربة ينبغى علينا المحافظة عليها وأن نتجنب اليأس. وثالث الوسائل يتمثل فى العمل الدبلوماسى الذى يعرى الأنظمة الموجودة وسلوكها وممارساتها. وفى هذا الشأن باتت لدينا فرص أوسع بحكم أن مجتمعاتنا فى المهجر توسعت من نيوزيلاندا حتى كاليفونيا .حيث أصبح ناسنا يشكلون حضورا كثيفا فى أماكن إتخاذ القرار واستخدام حق الفيتو التى يؤثر عليها النشطاء .

وآخر الوسائل هو التفاوض مع سلطة الأمر الواقع .. دائما لدينا فى السودان سلطة أمر واقع سواء جاءت عن طريق الانقلاب أو غيره. يجب عليك التفاوض بالتزامن مع السعى لرفع وعى شعبك والقتال دفاعا عن النفس.

#في حال تعذر على الوسائل التى ذكرتها النجاح هل من الممكن ان يكون ذلك مدعاة لخلق دافع ذاتي لبعض شعوب السودان لكى تنحرط فى سلوك يمكن ان ينظر إليه كسلوك انفصالى باعتبار ذلك يحدد أهدافهم وخياراتهم. ألا يقدم ذلك حافزا داخليا للشعوب؟

هذا سببه اليأس الذى ننصح بالتخلص منه. دائما الشعوب كلها قريبة فى ثقافاتها وعندها تاريخ مشترك ومشاعر وذكريات وتضحيات مشتركة وعلاقات دم.
ولكى تخلق أوضاع انفصال كما حدث فى الجنوب يجب استصحاب مسألة أن الجنوبيين وصلوا المرحلة التى أسميتها أنت الدافع الذاتى الداخلى بعد موت اثنين مليون منهم فى الحروب مع الشمال الذى لم ينظر للجنوبى إلا كعبد أزهقوا روحه. وهكذا تغلب الدافع الذاتى حتى على الجنوبيين الذين كان لديهم روح وحدوية وفى النهاية حدث الانفصال. لذلك من الأفضل تجنب اليأس. ولا تنس أن الدافع الداخلى نفسه يحتاج لوحدة المجموعة التى تنادى بالانفصال.
وبالنسبة لدارفور يتردد اليوم على لسان غير الدارفوريين أن الاقليم يريد الانفصال بينما نحن فى الحقيقة لا نريد الانفصال وحتى لو وجد بيننا من يريد الانفصال فعليه أن يقنعنا أولاً بسلامة موقفه لأننا لسنا مقتنعين بذلك. وحتى الحديث عن انفصال دارفور قادم من أصوات قليلة ومنفردة وليست مدعومة من قواعدها فى الشمالية أو نهر النيل على الإطلاق. وبالطبع الشمال لم يفوضهم للتحدث باسمه. المهم فى الأمر أن الدافع الداخلى توفر للجنوبيين بعد ٣٠ عاما من التقتيل والتدمير !!

# تذكر نقاشاتنا الطويلة معك ومع صديقك البروف تيسير محمد احمد فى القاهرة وأسمرا حول الدراسات العديدة التى تناولت الشأن السودانى وتحدثت عن مستقبل الأوضاع فى دارفور .. الى أى حد جاءت تلك النبوءات صحيحة.؟

بالنسبة لدارفور حقيقة كان هناك تحذير مبكرا ربما فى العام ١٩٥٧ لكن السلطة فى ذلك الوقت متمثلة فى المجموعة التى سودنت الوظائف وتصرفت كالانجليز أظهرت لا مبالاة .كان أولاد منظمة اللهيب الأحمر صغارا ربما كانوا فى المدارس الوسطى يكتبون منشورات ويلقونها فى بيوت هؤلاء المنتمين للحكومة علما بأنه لم يكن هناك أحد من أبناء دارفور موظفا فى الحكومة آنذاك. بل حتى التجار فى دارفور كانوا يأتون من الشمال .. يأتى أحدهم من الشمال وبواسطة قريب له يشغل منصب ضابط مجلس ويتاح له الحصول على العقودات بالمحسوبية لكى يزداد ثراء. ثم جاءت سوني ثم جبهة نهضة دارفور التى دمغوها بالعنصرية ثم تتالت الانتفاضات الطلابية فى دارفور ومنها الانتفاضة التى جاءت بأحمد إبراهيم دريج وبعدها بلغنا مرحلة حمل السلاح.
أما بخصوص الدراسات التى تتكلم عنها فقد كانت دراستى عن حالة الفور والسبعة وعشرين قبيلة المنضوية تحت راية التجمع العربى. وقلت فيها إن الوضع فى دارفور سيلحق بالجنوب وما حصل فيه. وقبل أن يمر وقت طويل برز يحيي بولاد من صلب الحركة الإسلامية وحمل السلاح مع عبد العزيز الحلو ورفاقه ثم أتينا نحن من بعدهم ثم جاءت حركات دارفور الموجودة اليوم. فى اعتقادى كل ما قالته الدراسات أنها حذرت ونبهت بأن ثمة أشياء ستحدث فى المستقبل مالم يتم تدارك الأمور . وهذه الأشياء بعينها هى ما يحدث اليوم. هذه الدراسات كانت مبنية على قراءة للواقع واستقراء للتاريخ والمستقبل.

# برأيك لماذا تجاهلت الأحزاب الطائفية شكاوى أهل دارفور؟

الأحزاب الطائفية إحدى مشاكل السودان. وهم أنتجوا قمة أزمتهم فى الحركة الإسلامية وحموها إلى أن اشتد عودها. أحد الحزبين كان مشروعه الصحوة الإسلامية والآخر مشروعه الدستور الإسلاموي. والاثنان لايختلفان عن مشروع الجبهة الإسلامية وان كانت الجبهة قد قلصت السودان وركزت على مشروعها الأممى الكبير.
يتحمل الحزبان جزءا كبيرا من الوزر الذى حاق بدارفور وما حدث للسودانيين على أيديهم. افتقد الحزبان البرنامج والمشروع وأكثر من ذلك كانوا يوجهون أتباعهم المؤمنين بهم كشيوخ لاختيار من يريدون لكى يمثلهم لكنهم كانوا يعيدونه لذويه فى دارفور. وهكذا حكم حزب الأمة عن طريق كتلة دارفور البالغة ٣٤ نائبا وإن كان الحزب الاتحادى يحوز على نواب أقل فى دارفور إلا أنهما كانا يشكلان حكومات ائتلاف متتالية.

#هل أنت راض عن المساهمة التى قدمتها من خلال التحالف الفيدرالي؟

التحالف الفيدرالي أصلًا فكرة وهذه الفكرة توسّعت اليوم، وصار أغلب الناس يتبنون الفيدرالية والحكم اللا مركزى بما فيهم النظام فى الخرطوم..
اعتقد اننا قدمنا فكرة والفكرة بمجرد أن يتبناها آخرون غيرك حتى ولو بالكلام تجعلك تشعر بأن الأمور على ما يرام.

 

 

#هناك من يقول إن الفيدرالية أوجدت المشاعر القبلية ربما لأنها لم تطبق بالشكل السليم بحيث تعطى للناس فيدرالية حقيقية لا تترك مساحة لكى يفكر الناس لأى إثنية ينتمى الحاكم. وهناك من يقول إن الفيدرالية قسمت دارفور مثلا لولايات عديدة مما سهل على المركز السمسرة فى التناقضات داخل الاقليم؟

أكيد هذا الكلام ليس صحيحا وربما يكون الذى يتبناه من ذلك النوع الذى لا يرغب فى فعل أى شئ. يا أخى الفيدرالية لا تحيي المشاعر القبلية.

# أعني تطبيقها بطريقة خاطئة؟

تلك ليست فيدرالية، بل فيدرالية مركزية لا تتوفر فيها ولا حتى المالية الفيدرالية.

#هل هناك نموذج مثل هذا حدث فى العالم أن تكون هناك فيدرالية يسيطر عليها المركز؟

لا يوجد. هم أصلًا أسموها فيدرالية “ساكت” علما بأنهم الذين قاموا بتقسيم دارفور إلى خمس أقاليم وأبقوا على تواجدهم عبر شئون القبائل لخلق دوائر نفوذ لهم. أعطوا مساحة للفور والزغاوة والرزيقات وتركوا مساحة لكى يستولى عليها حلفاؤهم العرب ولذلك قتلوا الوالي خميس عن طريق الحصانة.

#بلغنا مرحلة فوضوية فى السودان اليوم تفوق أوضاع أوربا بعد الحرب العالمية الثانية . أمامنا مناطق غدت مثل ليبيا إما تابعة للجيش أو تابعة للدعم السريع.. هل يمكن أن يقودنا ذلك الى التقسيم او استقلال الاقاليم؟

ما يجرى اليوم على يد الدعم السريع قائم على ان تخطيطهم الأولى كان هو استلام البلد كله بعد الخرطوم. المشروع كان العاصمة بالرغم من وجود مجموعة داخل الدعم السريع ترى ضرورة استلام دارفور إلا أن مشروع الداعمين من الإمارات واسرائيل هو استلام السودان كله.
هذا يعنى أن مشروع دارفور هو الخطة ب وبعد أن فشل الدعم السريع فى استلام الخرطوم عادوا لاستلام المطارات فى دارفور لكى يضمنوا إرسال الإمداد للخرطوم من الإمارات عبر حفتر أو عبر أم جرس أو عبر افريقيا الوسطى عن طريق فاغنر.
الدعم السريع فى استراحة محارب الآن ريثما يرتب أوضاعه لكى يقوم بهجوم مكثف على الخرطوم بغية ابتلاع السودان وهذا ما يفسر عودة قياداتهم الكبيرة لدارفور.

#لكن يا بروف ظهر عامل جديد متمثلا في إعلان الحركات المسلحة موقفها المعادى للدعم السريع..أليس من شأن ذلك أن يعقد الوضع أكثر؟

هذه الحركات تأخرت كثيرا فى إعلان موقفها هذا. وربما تكون قد تعرضت لضغوط تتعلق بأوضاعها فى بورتسودان. ورأينا أخيرا بيانات كاشفة عن الانقسام بينهم خاصة وان شبابهم الذى يحمل السلاح على الأرض له رأى آخر وكانوا منذ وقت بعيد يريدون من قياداتهم إعلان هذا الموقف لكنها تلكأت، مع العلم بأن جزء من الحركات أصبح جزءً من الجيش ويحارب إلى جانبه مثل بخيت دبجو..
حتى لو كان مجيئهم متأخرا ..بدون تواجدهم فعل الدعم السريع ما فعله فى الجنينة ونيالا وزالنجى إضافة للخرطوم مايؤكد أنهم بلا برنامج للحكم كما أن أفعال الدعم السريع ألبت عليه حتى المواطن العادي فبات مرفوضا ونحن أصلًا رفضناهم. ومن غير الحركات كان الشعب سيرفضهم ويقاومهم وأصلا هناك ململة أوجدت فى أوساطه مجموعات دفاع أهلى فى أماكن عديدة قبل إعلان الحركة عن موقفها وذلك بغرض مقاومة أية احتمالات لسيطرة الجنجويد على دارفور.

#ولكن ألا يؤدى ذلك لتعقيد الأزمة على صعيد دارفور أكثر مما يفعله بالسودان كله أقصد إمكانية خلق استقطاب وتحالفات بينية بين القبائل؟

لا أتوقع حدوث اسوأ مما هو موجود اليوم أمام ناظرينا. وأصلًا الاستقطاب حاصل على الأرض حيث لا يوجد عربى واحد فى معسكرات النازحين أو اللاجئين الدارفوريين. كل الموجودين فى هذه المعسكرات من المنتمين للقبائل الأفريقية والتطور الجديد أن عناصرهم بدأت تتواصل وتتحدث مع بعضها.

# هل يمكن أن يصل فلول الكيزان وفلول الدعم السريع لحل وسط ينهى الحرب. ولدى سؤال مرتبط بتحليلك الاخير .. لماذا يكره الشماليون حميدتى لا سيما وأن هناك من أعوانه من يقول إن قائد الدعم السريع لم يرتكب فظائع وموبقات وإبادات أكثر مما فعله الكيزان؟

اعتقد أن على من يقول أن حميدتى لم يرتكب إبادة أو مجازر أن يلقى نظرة لما تم على يديه فى الخرطوم. بالنسبة للكيزان أعتقد أنهم انتهوا ولم يتبق منهم سوى جيوب تصطاد فى الماء العكر لكى يقولوا إنهم موجودن ويحركون الأوضاع. بينما فى الحقيقة هم غير موجودين لأن الذين يحركون الأوضاع على نحو فعال اليوم سواء كان الجيش وعلى رأسه البرهان بصفته ضابطا وهو شخص أشك أن لديه الفكر الدينى وربما جاء الى الجيش بسبب صلة أفراد من عائلته بالكيزان. وعموما هو شخص سيء وهو جنرال من جنرالات الإبادة. أما حميدتى فهو الأداة التى إرتكبت بها الإبادة. لا يوجد شخص فى دارفور يرى فى حميدتى أفضلية والأقلية القليلة التى يمكن أن تفضله على الجيش قد يكون موقفها بسبب أن الجيش إقترف الفظائع على مدى سنوات طويلة. ومهما يكن من أمر نحن الموجودين فى الميدان نعرف الحقيقة وهى أننا هزمنا الجيش فى الميدان. الجيش جاء بحميدتى فى ٢٠٠٧ بعدما هزمنا الجيش واستاذه موسى هلال معا وربما رأوا فى حميدتى كفاءة لا تتوفر لدى الآخرين مثل أن يكون دمويا وقاسيا وربما لسبب آخر.

لكن المؤكد أن من أتى به هما البرهان وابن عوف. أغلب من تكلمنا معهم من ناسنا يرون فى الجيش والدعم السريع عدوين رغم أن الجيش الذى يتكون جسده من أفارقة سود ورأسه من أهل نهر النيل يمكن إصلاحه عن طريق تصعيد المنسوبين من أدنى لأعلى. بمعنى آخر نحن هزمنا الجيش ونحن جزء من الجيش بمعنى أن الجسم الكبير منه يتكون من ناسنا الذين يموتون وحدهم وهم من يقاتلهم حميدتى اليوم وهذا أمر ظاهر حتى فى الفيديوهات التى ينشرها أنصار الدعم السريع ما يؤكد حقيقة أن الدعم السريع هو عدونا الأول. وحسب متابعاتى مع عدد كبير من أبناء دارفور فهم يقولون إن الاثنين عدوان لهم لكن الأولوية فى العداء من نصيب من يقولون (أمباى) ويغتصبون نساءك ويسلبونك المال ويحرقون بيتك ولا يؤمنون بأنك تنتمى للبشر أصلا وما يحمد له أن بيوت أهل الخرطوم مبنية بالأسمنت لذلك أخلوها وغادروا والا لكانوا أحرقوها لهم بينما بيوتنا حرقوها من زمن بعيد. انتهى كل شيء وماعادت عندنا بيوت لأن هذا الرجل يريد إحتلال أرضنا. وأنت بالطبع لن تقبل أن ياتى أحد لاحتلال أرضك فى المحس، وعليه فالدعم السريع هو العدو رقم واحد بالنسبة لنا فى الوقت الحالى ووفق الترتيب الذى أتحدث عنه فإن الجيش هو العدو رقم ٢ بالنسبة لنا. لكن لو انتهينا من الدعم السريع سيعود الجيش لموقعه كعدو رقم واحد لأنه قتلنا ومارس ضدنا الإبادة الجماعية. وبالتالى فإن إحتمال أن ينتصر حميدتى غير راجح مهما كان الموقف اليوم. لأنه تراجع نحو دارفور وفى دارفور سيواجه بمقاومة شديدة خاصة بعدما قرر جزء من الحركات المسلحة أن يختار الموقف الصحيح من التاريخ. ما أريد قوله هو أنك لست فى وضعية لكى تختار واحدا منهما لكن يجب عليك أن تختار أن تدافع عن المواطن ولذلك أرى أن الحركات المسلحة كان يفترض أن تأخذ هذا الموقف عندما وقعت أحداث الجنينة وكرينك. لقد فشلت الحركات فى القيام بواجبها والآن نحن أمام تحدى الفاشر رمز دارفور الكبرى فإن سمحت لهم بأخذها تكون الحركات قد كتبت نهايتها.

#هل إنتهى زمن التعويل على دور المجتمع الدولي .. هذه حرب وكالة بامتياز ألن يؤدي توسيعها لإضاعة قضايا الجماهير ؟

بالتأكيد هذه حرب وكالة وكل الأموال التى يستخدمها حميدتى قادمة من الإمارات ومن بيع الذهب الذى أتاح لهم المغفلون تهريبها.

#هل تلقى مصر بثقلها خلف الجيش؟

هذا ليس واضحا. لكنه لن يكون موقفا مفاجئا لأنه يشبه موقف الخليفة عبد الله التعايشى وهو يذكر مصر بمقتل غردون. وكما تعلم فإن مصر بلد مؤسسات أمنية وعسكرية وعلى هذا النحو فإن ضباط الجيش المصرى يعرفون مصالحهم فى السودان والتى سيحفظها بالنيابة عنهم ضباط نهر النيل والشمالية داخل الجيش السودانى. وعليه لا استغرب أن يكون المصريون منخرطين أو داعمين بطريقة أو أخرى للجيش السودانى فى الحرب الدائرة فى السودان حاليا.

# مرة اخرى ساعود لاحتمالية تعقيد القضية الوطنية اذا ما استمرت كحرب وكالة. أليس واردا أن يخلق ذلك دولتين عندنا على غرار ليبيا؟

أصلا بعدما انتزعوا نيالا والجنينة باتت هناك سلطتان. وكلنا رأينا دقلو يعين الناس فى وظائف عبر قائمة هو رئيسها.

#هل أدار المجتمع الدولى ظهره للسودان؟

دور المجتمع الدولى لم يعد كما كان. وهو لديه ما يكفيه من المشكلات وهو لم يعد موحدا بالذات بعد حرب أوكرانيا. روسيا والصين ضد أى موقف تتبناه أمريكا وامريكا تفعل نفس الشئ معهما. المجتمع الدولى لم يعد قادرا الا على بيع الكلام وكما ترى فإن الدول صاحبة الفيتو منقسمة..

#هل هذا يعنى أن علينا عدم توقع شئ إيجابي من المجتمع الدولى حتى مع دور السعودية والأمارات المتعاظم دوليا؟

كان يمكن أن يقوم الخليجيون بقفل البلف. وسألت الدبلوماسيين فقالوا لى إن أمريكا عقدت إتفاقية كبيرة مع الإمارات فى العام الماضى يحوى بنودا اقتصادية ومالية كبيرة ذات صلة بالشرق الأوسط وعداء إسرائيل لإيران علاوة على توسيع إتفاقيات أبراهام.

# وماذا عن نظريات المؤامرة العديدة التى تتردد فى هذا الصدد !!

نحن نشكك فيها لأنها تبدو وكأن جهة ما هى التى تخطط وتضع البرامج. وهذا لايعنى أنها لا يمكن أن تكون مسائل حقيقية بطريقة ما فى بعض الاماكن. الإمارات وجدت حميدتى وبدأت التعامل معه فى حرب اليمن ثم جاء دور الذهب ثم جاء دور الاسرائيليين وبدأت مسألة استخدامهم الأجواء السودانية للوصول بسرعة لجنوب افريقيا والبرازيل وأمريكا اللاتينية. إسرائيل تريد سلطة حليفة لها في السودان عبر الإمارات. ولا أظن أن هناك تخطيط بل مصالح.

#بالنظر الى استخدام الكيزان الكذب حتى لخداع جمهورهم بالنصر فى المعارك. هل يمكن أن يكون الكيزان متورطين في لعبة أخرى؟

صحيح الكيزان كانوا متواجدين فى الدولة على مدى ٣٠ سنة على الأقل عبر الاشخاص الذين وطنوهم فى الجيش.لكن مثلما كان يقول لنا ضباط الجيش فى الماضى بأنهم ليسوا كيزانا وأن أهاليهم فقط من ينتمون لتنظيم الكيزان بمعنى أنهم فتحوا لهم المجال لكى يقوموا بدور ما ..
الكيزان محبطون وهم يكذبون على أنصارهم بإدعاء أنهم ينتصرون وأنهم من يقود المعارك لأن ذلك ليس حاصلا على الإطلاق. هم مشاركون لكن لا يديرون الحرب. المسألة أصلا مشروع خارجى يدار من الإمارات عبر حميدتى والتجمع العربى. هم موجودون على غرار تهمة لا ننكرها وشرف لا ندعيه. لكن بالتاكيد هم مستفيدون من الحرب.

#هناك من يقول إن حميدتى تمكن من تحجيم الكيزان .. إذا تجاوزنا عن لغة حميدتي العسكرية ما رأيك في خطابه السياسي؟

ليس لديه خطاب سياسى. مستشاروه أمثال يوسف عزت من يصنعون له الخطاب السياسى. هو شخص مسكين. لكن عند تقييمه يجب أن نستصحب معنا مشروعه الذى أعلنه فى العام ٢٠١٧ عبر التجمع العربى وقال فيه بوضوح إن على الحكومة ان تتكلم بعد أن تخلق جيشا مثل الناس. وقال بوضوح أيضا بشأن دمج الدعم السريع فى الجيش بأنه ليس كتيبة أو سرية أو فصيل حتى يتم دمجه حين تحدث عن قواته كجهة قائمة بذاتها.
الجيش هو الذى أتى بحميدتى ومنحه رتبة العميد وجعله يتعامل مع كبار الضباط فعرف قيمتهم ثم قال لنفسه هؤلاء أحسن منى فى شنو؟ وحقا لا يتميز ضباط الجيش عنه باستثناء دراسة الثانوى .

# حميدتي يقول إنه لا يريد تحطيم الجيش وأنه فقط يحاصر قيادة الجيش لتغييرها. هل تغيير القيادة يمكن أن يخلق شئ ايجابى فى هذا البلد؟

من الواضح أن هدف حميدتى هو ابتلاع الجيش. هو أعلن عن رغبته التخلص من قائده البرهان أو تقديمه للمحاكمة علما بأن البرهان يجلس على المقعد الأعلى منه. ومن ناحية أخرى كانت قيادات الجيش ومنهم المفتش العام للجيش فى قبضة حميدتى منذ اليوم الأول للحرب. وعندما يكون قيادات الجيش أصلا أسرى عنده فمن ذا الذى سيكون خاضعا للتغيير .حميدتى هدفه القضاء على الجيش وقد رأينا ذلك بأعيننا فى الجنينة وهو كما نعلم طالب الناس بأن تندمج فى قواته لأنه ليس من يندمج فى الآخرين. وذلك لكى تكون قواته البديل للجيش.
وكما أسلفت فقد أعلنها صريحة فى ٢٠١٧ وقال لهم ( سووا ديش ) وهو عندما يقول ذلك معناه أن فى عقله لا يوجد شئ اسمه الجيش. هو أصلا لا يعترف بالجيش.

#الانقلابات العسكرية المتكررة فى افريقيا قوضت أحلام الأفارقة فى الديمقراطية والغرب الذى يقول إنه مؤيد للديمقراطية فى أفريقيا بالكلام يقف فعليا مع مصالحه عندما تأتى الانقلابات كيف تقرأ مستقبل الديمقراطية فى السودان وفى القارة عموما ؟

السودان بلد يتطلع أهله للمشاركة فى القرار الذى يخصهم فى مجتمعاتهم. نحن لسنا كمصر المحكومة بسلطة مركزية بوليسية منذ عهد الفراعنة ولاتنس أن السودانيين رأوا فى حياتهم ثلاث تجارب حتى ولو كانت ديمقراطية فضفاضة وبالتالى هم يدركون ماذا تعنى الديمقراطية على العموم. تطلع الشعب للديمقراطية يكشفه اعتصام ٦ مليون سودانى أمام قيادة الجيش فى استفتاء عظيم سجله التاريخ لصالح الديمقراطية. السودانيون يحبون الديمقراطية حبا جما رغم الإحباطات التى تسبب فيها قادتنا المنتخبون من أمثال المهدى والميرغنى الذين لم يقدموا شيئا لترسيخ الديمقراطية فى بلدنا. ورغم تكرار الانقلابات نقول إن للديمقراطية مستقبل فى السودان والحق أن أحزابنا غير ديمقراطية وهى التى توعز للعسكر للقيام بانقلاب.ناس الأحزاب يذهبون للعسكر ويطلبون منه استلام السلطة كما حدث فى أول إنقلاب عسكرى حيث سلم عبد الله خليل السلطة لزميل له. وانقلاب النميرى تسبب فيه طرد نواب الحزب الشيوعى. أما انقلاب البشير فقد ثبت أنه لم يكن على علم إلى أن ذهبت اليه جماعة الجبهة الاسلامية وأخطرته وأتت به.
من السلبيات أن قادة أحزابنا لا يصبرون على الديمقراطية. ورغم ذلك ظلت الديمقراطية مطلبا شعبيا دائما بدليل قيام ثلاثة ثورات شعبية من اجل الديمقراطية.وفى الثورة الأخيرة كان مكونها الأعظم من الشباب فى المدن وفيهم مجموعات خارجة من بيوت تنتمى للحركة الاسلامية.خلاصة القول أن الديمقراطية متجذرة فى قلوب السودانيين.

#نعم أفلح الشباب فى انجاز ثورة ديسمبر لكن جماعة الأحزاب والجيش رفضوا حتى الدخول فى حوار مع الشباب لأنهم لا يريدون ان يحكم الشباب بمنطق أن من يقوم بالثورة هو الذى يحكم .ومن جانب آخر لا يخفى الكيزان روحهم الانتقامية. كيف نؤمل فى الديمقراطية .ألن تكون مهددة مستقبلا؟

إذا أخذت من أى شخص امتيازات كان يتمتع بها بكل تأكيد سينظم نفسه لاسترداد هذه الامتيازات.
لو قال المكون المدنى يومذاك للعسكر بحزم بأنهم ليسوا مرغوبين وذلك مدعوما بالستة مليون ثائر من النساء والرجال والكهول والشباب المتواجد فى ساحة الاعتصام لكسب تاييد الشباب ولاستخدم شرعيتهم لكسب تأييد المجتمع الدولى. وكان من شأن ذلك لو حدث أن يشجع صغار الضباط لا سيما وأن بعضهم تدخل بالفعل لحماية المدنيين عندما ظهرت كتائب الظل وهناك آخرون مثلهم لكن المدنيين خذلوهم عندما استعجلوا الإتفاق مع العسكر .. ذهبوا كأنهم مغمضين ووقعوا على الوثيقة الدستورية مما يؤكد قصر نظرهم وأفعالهم التى راكمت الأخطاء وقادتنا الى ما نحن عليه اليوم.
جاءت تلك الفترة مخيبة للآمال لأن الشخصيات الثلاثة التى تم تكليفها بإدارة التحول الديمقراطي بعد الثورة اثنين منها ينتميان لجماعة البشير .أما حمدوك فلم نسمع به من قبل إلا عندما أراد البشير أن يختاره وزيرا للمالية.

خلاصة القول أن استفتاء عاما جرى بنجاح لصالح الديمقراطية وأن تخاذلا كبيرا حدث من المكون المدنى نتيجة توقيعه وثيقة شراكة مع الجيش.

 

# كيف تقيم أداء قحت في السلطة؟

هؤلاء كانوا يريدون استعادة السلطة. حزبا الامة والاتحادى ما كانا يرغبان فى تغيير شامل. حزب الأمة كان يفضل حدوث تغيير نص نص لكى تعود السلطة للصادق المهدى آخر رئيس وزراء منتخب قبل ٣٠ سنة.

#هناك من يقول إن شريف حرير رغم مساهماته الكبيرة التى وضعته فى هيئة قيادة التجمع الوطنى فى يوم ما إنزوى وصارت مساهماته غير ظاهرة او متوارية عن الأنظار .نعم لديك وجود على المستوى الأكاديمي ولديك شهرة على مستوى الكتابة السياسية لكن الناس كانوا يتوقعون منك على الأقل دور أكبر . إلى أي حد هذه المزاعم حقيقية.؟

أنا مازلت أعمل ومازلت معارضا. فقط غيرت الطريقة ومازلت أعمل بنشاط لإحياء بعض الأشياء لكن بتؤدة وبلا ضجيج .هذه هى الحقيقة .لكن فى نفس الوقت لا أرى أن هناك شيئا قد تغير لكى أساهم فيه. أنا مازلت فى نفس الموقع.موقع معارضة ما يجرى اليوم ،وهناك أمر واقع أتبادل الراى مع كل الفاعلين فى الساحة حوله.
أعمل بهمة لكى ننتج شيئا نغير عن طريقه الأشياء التى تحاصرنا وهو عمل يتطلب الدقة والصمت والهدوء.

# هل هو عمل اكاديمى؟

لا هو عمل سياسى بحت.

# ألم يحن الوقت للكشف عنه ولو باشراكنا فى ملامحه؟

في القريب العاجل إنشاء الله. مازالت هناك بعض المتطلبات وعلي إنجازها.

# أتوقع ان يكون عملا قوميا؟

بالتأكيد هو كذلك لأنني قومي حتى النخاع.

# من الصعب التنبؤ بالملامح الفكرية والسياسية لشمال السودان ما بعد الحرب. بالتأكيد سينشأ وضع معقد يجعل الشمال يفقد مكتسباته التاريخية. برأيك كيف ستتعامل القوى السياسية مع هذه المشكلة؟

دولة الاستعمار الداخلي والتي يسميها حميدتي خطأ دولة ١٩٥٦ لأن ٥٦ مجرد تاريخ وهي نظام وليست دولة – مدة صلاحيتها إنتهت وستعقبها تغييرات حتمية.

قطار الثورة يزور عطبرة لرد الجميل

# حتى لو انتصر الجيش.؟

نعم حتى ولو انتصر الجيش. ذلك لأن القوى الشبابية الممثلة بستة مليوب شاب ستظل موجودة . رغم أن ان الحرب شتتهم. وفي العادة عندما تشح الموارد او يحصل طارئ نحن نقول لناسنا المتأهبين الزموا أماكنكم إلى حين تحسن الوضع للالتئام مجددا والشئ نفسه سيحدث للكتلة الشبابية ..هم عائدون عائدون بقوة.

# أنا اقصد أن أصحاب المصالح في الشمال لن يفرطوا في ما يسمونه بالمشروع النيلى حماية لمصالحهم الاقتصادية؟

لقد انتهى كل شئ بما لا يجدى معه الحديث عن التفريط. والبنية الاقتصادية انهارت بالكامل فى الخرطوم .لكن الاستعمار الداخلى سينتهى وهو يعيش الآن مرحلة الفرفرة وسيقوم على أنقاضه نظام جديد قوامه شباب الثورة.

حرير: “النخب كانت منعزلة لانها ورثت تقاليد المستعمر”

#هل يمكن القول إن المشروع العربو اسلامى يتعرض لهزة بخاصة وأن الكيزان باتوا يعايرون الدعم السريع بانهم عربان شتات وغزاة محتلين يسفكون الدماء وكانهم يقولون فى عقلهم الباطن قديمة فعلناها قبلكم فى سوبا. هل يمكن أن يوحى هذا السجال بان المشروع العربو اسلامى عرضة للانكسار بالفعل.؟

فى موضوع الهوية العروبية يجب القول بأن الحاصل اليوم هو ثمرة التجمع العربى الذى نشأ فى الثمانينات في كنف الصادق المهدى وتحول من قريش واحد إلى قريش اثنين وهو مشروع حميدتى ومعه جماعة عبد الله مسار وغيرهم .هذا المشروع بالطريقة التى أوصلها الدعم السريع لناس الخرطوم انتهى ولم يعد شيئا ذو قيمة.عندما يقول الناس عن الجنجويد إنهم غير لائقين للحكم أعرف ان مشروعهم قد مات. وفى حقيقة الأمر انتهى المشروع العروبى الذى كان مطروحا فى السودان يوم هتف ٦ مليون سودانى فى ساحة الاعتصام (يا عنصرى ومغرور كل البلد دارفور ). الشباب أنهوا المشروع الأحاديّ فى السودان بالضربة القاضية. والحق أن السودانوية هى البذرة التى أنبتت نباتا طيبا حتى ولو كان شجيرة صغيرة ينبغى علينا إنماءها ورعايتها.

#هل يمكننا القول إن تاثير جون قرنق على ذلك ليس غائبا؟

بالفعل الوعى المتعلق بالسودان الجديد له دور كبير فى ذلك.ويمكننا أن نقول أن فيه جزء من روح قرنق.وقد تجد شخصا لا يفكر بنفس طريقة قرنق أو باسلوبه فى العمل لكنه يتبنى فكرة السودان الجديد ويعمل على تنفيذها انطلاقا من حقيقة أننا سودانيين قبل أن نكون عربا أو افارقة أو مسلمين أو مسيحيين وهذا ما سيحصل فى بلدنا.

# إذا استمرت الحرب يمكننا مثلا افتراض آن يوجه حميدتى دعوة لشندى للاستسلام . مثل هذه التطورات تفترض سؤالا فحواه هل كان الوضع سيتغير لو كان حميدتى من عرب الشمال؟

صعب على توقع مثل هذا الأمر لأن حميدتى يمثل الخليفة عبد الله التعايشى لدى عرب الشمال بما يمثله من تاريخ وذكريات أليمة .واللافت أن حميدتى ولى وجهه أخيرا نحو الغرب وليس نحو شندي.

# هناك من يردد بأن لا مستقبل للسودانيين بدون مصالحة مع الإسلاميين .كيف تفسر مثل هذا الكلام؟

للأسف هذا كلام فارغ. الإسلاميون حكموا لثلاثين عاما وارتكبوا موبقات بحق الشعب والوطن بصورة لا يمكن التعايش معهم على الإطلاق بعدها. وفى رأيي من يقول مثل هذا الكلام لن يكون بعيدا عن دائرة الكيزان. الشخص العادى الذى عايش الفظائع التى ارتكبها الكيزان من تعذيب فى بيوت الأشباح واغتصاب للرجال وممارسة للإبادات الجماعية لا يمكن أن يدعو لمصالحتهم. الإسلاميون وحميدتى وجهان لعملة واحدة ولا يجوز التصالح معهم.

# سؤال أخير : كيف تبدو علاقتك مع تلاميذك .. هل هناك ثمة تواصل معهم ولو فى مجال الأكاديميا؟

تلاميذى الذين ساروا فى الخط الاكاديمى التقيهم بطريق غير مباشر عبر المناقشات حول الأعمال الأكاديمية المشتركة وبعضهم أقابلهم شخصيا وأسعد بالحديث معهم كثيرا فى الندوات والسمنارات التى تنعقد فى الخارج. وهناك بروفيسور من تلاميذى فى المشروع الذى كنت أعمل منسقا له فى جامعة الخرطوم وهو مشروع أبحاث البحر الأحمر يأتى دائما للنرويج حيث أقيم. التواصل الأكاديمي موجود ولله الحمد.

Next Post

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist

Are you sure want to unlock this post?
Unlock left : 0
Are you sure want to cancel subscription?