المصدر الاندبندنت
عام على الحرب السودانية… أين نحن؟
تقديرات المنظمات الدولية في شأن المأساة لا ترسم فسيسفاء الدمار الذي لا بد من أن يكون مؤرقاً لهولاء الذين ما زالوا يمارسون فعل الصراع
أماني الطويل كاتبة وباحثة
ملخص
يبدو أن هناك قصوراً عاماً في إدراك أن ما يتم القتال عليه هو معرض للفناء الكلي ولن تستفيد منه أطراف محلية بقدر ما ستستفيد أطراف دولية يكون همها الأساس نهب الموارد السودانية.
يمر عام على الحرب السودانية التي اندلعت نتيجة خلافات سياسية وعسكرية داخلية مركبة ومعقدة، وتحت مظلة صراع إقليمي ودولي لا يقل تعقيداً، وخلال هذا العام تغير المشهد الديموغرافي والإنساني، ليس في السودان فحسب، بل أيضاً في الجوار السوداني المباشر والمتاخم، حيث رحل الناس عن بيوتهم مرغمين ومروعين بالملايين التي تحصى بالثمانية، كما يتهدد ربع السكان قريباً جوع ومجاعة قاسية.
على المستوى الاقتصادي فقد السودان 80 في المئة من مقدراته، معظم بنيته التحتية الضعيفة أصلاً باتت ركاماً، وربما يكون قد عاد قرناً ونيفاً إلى الوراء، إذ تتفكك حالياً مكوناته ويتهتك نسيجه الاجتماعي إلى مراحل ما قبل الدولة وتصعد العصبية العرقية والقبلية معاً لتتوج غالبية التفاعلات المحلية.
هذا المشهد المأسوي يتطلب منا رصد ماذا أنتجت هذه الحرب على نحو تفصيلي في جميع المجالات، ذلك أن التقديرات الكلية للمنظمات الدولية في شأن هذه المأساة لا ترسم فسيسفاء الدمار السوداني الذي لا بد من أن يكون مؤرقاً لهولاء الذين ما زالوا يمارسون فعل الصراع انتصاراً لطموحات في السلطة، أو انتصاراً لأيديولوجيا مقابل أخرى، في وقت يبدو أن هناك قصوراً عاماً في إدراك أن ما يتم الصراع عليه هو معرض للفناء الكلي ولن تستفيد منه أطراف محلية بقدر ما ستستفيد أطراف دولية يكون همها الأساس نهب الموارد السودانية.
في هذا السياق نرصد أنه في مراحل الصراع السياسي الداخلي، أي في مرحلة ما قبل الحرب، لم يتخطَّ معدل النمو الاقتصادي 0.3 في المئة بنهاية عام 2022 طبقاً لإحصاءات البنك المركزي، مما أسفر عن ارتفاع أسعار الأغذية والوقود والأسمدة بأكثر من 400 في المئة، وتراجعت قدرة الحكومة على دعم المدخلات الأساسية للإنتاج الزراعي، وقلّص المزارعون أيضاً المساحات المزروعة بصورة كبيرة، مما أسهم في تفاقم أزمة القدرة على تحمل الكلفة وإنتاج الغذاء.
قبل الحرب
أما على صعيد صادرات السودان، فتراجعت بنسبة 50 في المئة قبل الحرب، وغير مرصود حجم التقلص منذ أكثر من عام، إذ شكل الذهب أكثر من 50 في المئة من إجمالي الصادرات والبذور الزيتية 18 في المئة والوقود 10 في المئة والحيوانات الحية سبعة في المئة، فضلاً عن السمسم والصمغ العربي واللحوم المجمدة، وكلها صادرات مؤثرة في معدلات نمو الاقتصاد السوداني وكذلك بعض دول الجوار المباشر مثل أفريقيا الوسطى وجنوب السودان اللتين تعتمدان في سلعهما الغذائية بنسبة 70 في المئة على ما ينتج في السودان مثل الدقيق والزيوت وصلصة الطماطم والسكر وغيرها، وتعتبر مصر من أهم الشركاء التجاريين للسودان سواء في التصدير أو الاستيراد، وبناءً على معطيات الصراع الذي يدور تأثرت التجارة بين مصر والسودان نتيجة تأثر المعابر والمنافذ الحدودية.
وكنتيجة مباشرة للصراع العسكري توقفت الاستثمارات الزراعية في السودان، خصوصاً الخليجية، إذ خرج ما يتجاوز الـ20 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، منها بعض الاستثمارات للسعودية التي كانت وصلت إلى نحو 35 مليار دولار، بينما تخطت استثمارات دولة الإمارات 7 مليارات دولار، وفي ما يتعلق بالمشاريع المصرية في السودان فقد بلغت نحو 229 مشروعاً غالبيتها لقطاع الأعمال الخاص برأسمال نحو 10.8 مليار دولار أثناء الفترة من 2000 وحتى 2013، إضافة إلى مشاريع الدولة في الربط البحري والبري والكهربائي بين الجانبين.