مدخل تمهیدی
على الرغم من أن الألفية الثالثة أطلت برأسها على البشرية وهي تحمل في رحمها بدور أزمات وأحداث جسيمة ، زلزلت أركان الدنيا وعصفت بانظمة وحكومات متجزرة، وأطاحت بعروش وليجان عنيدة ، حتى لكاد البعض أن يجزم قاطعاً في القول بأن نبوءة المفكر والفيلسوف الأمريكي فرنسيس فوكوياما بنهاية التاريخ بصراع الحضارات أوشكت أن تتحقق . بدءاً بأحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م التي كانت وزارة الدفاع الأمريكي البنتاغون ويُرجى التجارة العالمية مسرحاً لبعض فصولها ، ومروراً بحرب التحالف الغربي ضد نظام الطالبان السلفى المتزمت بافغانستان وإسقاطه وإنتهاءاً بالغزو الأمريكي للعراق وإحتلاله – أشير هنا بأن نهاية التاريخ كما عناها الفيلسوف فوكوياما لا تعنى بالضرورة فناء البشرية وتوقف الحياة على الكون كافة كما يعتقد البعض ، إنما قصد منها سيادة الديمقراطية الغربية الليبرالية وتجليها وإنتصارها على ما عداها من المبادئ والأفكار والقيم السياسية القائمة بإعتبارها النهاية المثالية للتطور
السياسي والإيدلوجي للإنسان كما يعتقد.
مهما يكن من أمر فأن العالم بأسره وبكافة هيئاته ومنظماته الدولية والإقليمية ، الإنسانية منها والأمنية والسياسية والحقوقية ومنذ وقت ليس بقصير لم يحدث أن إنشغل بأمر من الأمور قدر إنشغاله بأمر ما عرفت بمليشيات الجنجويد المثيرة للجدل، والتي ملأ ضجيجها سمع الدنيا وبصرها. مما حدا بالناس أن يطلقوا عليها جملة من النعوت المشيئة والصفات القاسية التي تنم عن التوحش وسفك الدماء، مثل النازيين الجدد، مصاصى دماء البشر، رسل الشر وجند الشيطان وغيرها من النعوت التي يفوق العد ويصعب الحصر حتى غدت وكانها أخطر مشكلات الألفية الجديدة لما
انطوت عليها من أبعاد سياسية وقانونية وإنسانية ، وما رافقت أنشطتها وممارساتها الميدانية من نتائج وإفرازات إنسانية مأساوية وصفت بالتطهير Genocide – Ethinic Cleansing العرقي والإبادة الجماعية ومتفوقة بذلك ما حدثت من مجازر في رواندا والبوسنة والهرسك وكمبوديا
في كثير من الأوجه والنواحي. تاسيساً على ما سبق لتعرض في الصفحات اللاحقة هذا الموضوع – الجنجويد – المدير للجدل من كافة جوانبه وأوجهه ولكن ليس بالسرد النظرى فقط، إنما بدراسة معمقة تستند على حقائق ميدانية وأدلة قاطعة لا تقبل الليس أو التأويل متمثلة في مشاهد وصور حية تنطق بذاتها وكثيرة منها النقطتها بنفسى من مسرح الأحداث في كثير من أرجاء دارفور بعد لحظات وجيزة من وقت وقوعها وحدوثها في 03 2004م، والتي تعرض فيها الأبرياء العزل من المدنيين وما زالوا يتعرضون بشكل ممنهج المجازر دامية من قتل وتحب وسطو واختصاب وحرق علاوة على إفادات وشهادات ممحصة ومدفقة من بعض الضحايا الذين تمكنوا من الإفلات من برائن الموت من مواقع الأحداث، فحينها أحسب أن لا أحد ينكر حقيقة هذه المليشيات بل وتتأكد لدى الجميع القريب والبعيد، القاصي والداني بأن ما يعرف بالجنجويد ليست أسطورة من نسج الخيال كما يدعى بذلك بعض المتغافلين لعنناً ومكابرة، وأن أفرادها ليسوا مخلوقات خرافية قدمت من عوالم أخرى غير عالمنا الذي نعيش فيه، إنما هم بشر من دم ولحم ولكنهم تحولوا إلى شياطين وأباليس بأسماء آدمية وأن تلك الصور المروعة والمشاهد البشعة التي تنقلها الفضائيات وتتداولها الوسائط الاعلامية المقروءة والمسموعة والتي تسب المليشيات الجنجويد والتي تقشعر لهولها وبشاعتها الأبدان في ليست تحاملا عليها، أو تجنباً للحقيقة كما يدعى البعض إنما
7