مع بداية معرض القاهرة الدولي للكتاب 2024 شهد معرض هذا العام صدور مؤلفات للروائي والباحث السُّوداني د. بخيت ضحية وهي روايات “لعنة الليمون” و “اريا .. خطوة تحت الاجراء” وكتاب مهم في المسألة السياسية ينطلق من رؤيته وفكره المعتدل وحبه لبلاده، الكتاب حمل عنوان “صناعة القرار والمشاركة السياسية في السُّودان 1953م – 2015م”. د. بخيت ضحية متنوع الفكر والثقافات وانشغاله بالبحث السياسى لم يمنعه من عشق الكلمة والإبداع..
حاورته الكاتبة/ فدوي سعد
أجرت معه هذا الحوار، تغوص معه حول رؤيته للكتابة والابداع
د.بخيت إسماعيل ضحيَّة علي سِيَّاد، دبلوماسي، روائي، كاتب وباحث سُّوداني، مهتم بالعمل الثقافي والتراثي والاجتماعي، من مواليد مدينة الفاشر بغربي السُّودان – حاصل على درجة البكالريوس في الأداب من السُّودان ودرجة البكالريوس في القانون العام ودرجة الماجستير في علوم الهجرة من جامعة لندن ثاوث بانك بالمملكة المتحدة ودرجة الدكتوراه في فلسفة العلوم السياسية والدراسات الاستراتيجية من جامعة الزعيم الأزهري بالسُّودان.ولديه العديد من الأعمال الأدبية المنشورة، منها؛ رواية لعنة الليمون، ورواية نكشات في قفص قفص الأنانية. وله تحت الطبع وقيد النشر عدة كتب، وروايات وأعمال أدبية؛ فِلل الدُوسر وحِكاية زول جنَّ ورجل يهوي الخِلاف وغيرها من الأعمال الإبداعية التي يتوقع لها انَّ ترى النور في القريب المنظور بحول الله وتوفيقه، ومن أحدث منشوراته هو كتابه الذي جاء بعنوان؛ صنع القرار والمشاركة السياسية في السُّودان خلال الفترة من 1953م – 2015م”. وكما أنَّه شارك في العديد من الندوات والمؤتمرات وورش العمل محليًا واقليميًا ودوليًا.
*مدينة الفاشر التغذية الإبداعية بدأت منها كبيئة محيطة؟.
بالنسبة لي مدينة الفاشر تعني كل شيء في حياتي، انها مدينة ساحرة وجاذبة بمعنى الكلمة، مدينة حضرية عصرية موغلة في الإبداع والتثاقف والتباري الأدبي، هي مدينة أصحاب الياقات البيضاء، مدينة مزدانة بالإبداع ومكتنزة بالمبدعين والمثقفين النوعيين، ظلت مركز اشعاع ثقافي ومعرفي ردحًا من الزمان في محيطيَّه القرب والبعيد، كانت حاضرة السلطان قديمًا ومقر الحكم المدني حديثًا، استطاعت ان تجمع بين قيم الريف الراسخة في النبل والطهر والنقاء وقيم المدينة التي تحمل معاني الرقي والتطور والتحديث وكل ما هو جديد ومثير، وتمكنت من ان تزاوج بين حكاوي الماضي وقصص الحاضر، وامتازت عن غيرها من مدن السُّودان في احتشاد مجالسها ومنابرها بالرواية المحكية والقصة المروية والمنقولة شفاهةً وتجسيدًا وتشكل الغناوي والرقيص جزءًا غير يسير من تكوين إنسانه الفنان المبدع، ولكل ذلك لا غرو ان قلت ان لميلادي وعيشي وترعرعي بها دورًا بارزًا في تشكل وجداني وتحديد اتجاهات تفكيري مبكرًا نحو سوح المعرفة ونهم العلم والتعلم بصورة عامة وإلى الأداب والشعر والقصة وكل دروب الإبداع الكتابي بصورة خاصة.
*البداية الفعلية للروائي بخيت ضحية؟.
كانت في 2017م بصالة في الطابق الـ 65 بفندق انتركوتاننتل القابع وسط مدينة هانوي المزدحمة بفيتنام، حيث ذهبت إلى الفندق ضمن اخرين لتوديع السُفراء الذين انتهت فترة عملهم بدولة التمثيل، خطر ببالي سؤال “لما لا اكتب؟”، ومنذ ذلك اليوم شرعت في التدوين والتسجيل والتوثيق والإعداد والتخطيط وهكذا بدأ كل شيء وتلك كانت بداية الانطلاقة الأولى على نحوٍ ما ومن تلك المحطة تحركت قطار الكتابة وشخوص رواياتي فظللت اتبعهما منذ يومها وحتى هذا اليوم وهما يسبقوني ويمضون امامي هكذا بلا توقف.
*لمن يتوجه بخيت ضحية بكتاباته؟.
أكتب لكل من يحب الكلمة والمفردة والحرف والجملة ويعشق كل ما هو جميل، يشتم عبق الكتب ويتنسمه في عمق وحب غير معهود، يغوص بين جنباتها ويختفي بينهما بلا توقف، يقرأ بين السطور وما بينها، يتبين المعاني والمقاصد والحروف، ويسترجع بعضًا مما يقرأ حين يعزم على ذلك، وكما انني أكتب لكل من يحب المعرفة والإطلاع ويدافع عنهما ويبذل روحه رخيصةً من أجلهما ويجانبهم إلى ما لا نهاية، وأن يكون من طينة القراء المخلصين المجيدين وبلا منافس.
*كيف تري كيف التنوع الثقافي المكاني والزماني تأثيرة على الحالات الكتابية؟.
بلا شك ان للتنوع والتباين الثقافي المكاني والزماني وتعددهما أثر بليغ في تشكل الذوات الإبداعية لدى كافة افراد المجتمع، وهي أمور تعين على تخطي عتبة الأحادية الإبداعية والنظر للأشياء من زاوية واحدة ومنفرجة، وينكفئ على ذاته ويبحث فيه، بخلاف المتنوع ثقافيًا والمتباين مكانيًا وزمانيًا الذي ينظر للأمور من قوالب شتي ومداخل مختلفة وزوايا متعددة، ويمكنهما تصوير المشاهد ونقلها في حلل زاهية وبألوان متعددة وبنكهات مختلفة، يعكس التنوع ويحتفي به.
*لعنة الليمون باكورة اعمالك الزمان والمكان والدافع المحفز لهذا العمل الجميل؟.
في بداية الأمر كنت أنوي أنَّ أطلق عليها اسمًا مغايرًا هو “حياة واحدة لا تكفي”، لجهة أنَّ الفكرة في أصلها نبعت من هنا، ولكن لسبب ما عدلت عن الفكرة وأطلقت عليها “لعنة الليمون” ولم أندم على هذه التسمية التي بقيت فيما بعد من اكثر الأسماء التي حفيتُ بها وحريَّا بي ان أحفل بها، والمحفز في كل الأحوال في انجاز هذا المنجز كان وما زال هو رغبتي الأكيدة في حكي سير جديدة بطرق مختلفة لوقائع غير مألوفة في مجتمع متنوع ومتعدد في كل جوانبه وتمظهراته، وآمل بهذا السهم المتواضع في اتمام جهود الأخرين للمساهمة معهم في مشروع رسم لوحة وطنية إبداعية أدبية فنية زاهية تمثل فسيفساء التكوين السُّوداني العريض والمتفرد في كل شيء.
*محيط الرواية السودانية ممتلئ بتناول العادات والموروثات بماذا تفردت لعنة الليمون؟.
لعنة الليمون تميزها سمة الجمع بين الارث الشعبي المنبعث من عمق الريف السُّوداني والارث المدني الحضري العمومي، إلى جانب الجوامع الثقافية بين مكونات الدولة السُّودانية وفضاءاتها الطبيعية القريبة والبعيدة، ولكون الثقافة كما الريح تعبر الحدود وتنتقل بينها وإلى جهات أخرى بكل يسر وسهولة، وأن أهم ما يميز رواية لعنة الليمون على سواها من الأعمال الكتابية الإبداعية والأدبية هو تفردها في التطرق إلى مسألة في غاية الأهمية في مجتمعنا السُّوداني ببعديه الريفي والحضري ألَّا وهو مضار التمسك الأعمي بالعادات والتقاليد واثره هذا حياة الإنسان السُّوداني.
*هل يمكننا ان نطلق علي رواياتك انها روايات معرفية؟.
يمكنك ان تقول بانها شيء من هذا وربما خلافه، رواياتي جامعة بين المعرفة والتاريخ والجغرافيا والخيال وبعض من الميتافيزيقيا والارث الاجتماعي الريفي الآخذ في التلاشي والانحصار والنسيان.
*أريا – خطوة تحت الإجراء، حالة كتابية أختلفت تماماً عن روايتك الأولى، حدثنا عن التجربة، الموضوعية، اللغة، ومن حيث مدى التغيير والتنوع؟.
أجزم أنَّ كل عمل إبداعي أو منجز أدبي يقوم على ساقين مختلفين، يسلك مساره الخاص، قد يتشابه ويتقاطع مع عمل اخر وقد يتأثر به إلى حدٍ ما ولكن ليس بالضرورة ان يماثله، لذلك جاءت اريا – خطوة الإجراء مختلفة نسبيًا وشكلاً ومضمونًا، وموضوعًا ولغةً وزمانًا ومكانًا وربما في كل شيء. والإختلاف الأبزر بين روايتي “لعنة الليمون” و”اريا – خطوة تحت الإجراء” والذي قد لا تخطئه العين الحصيفة يكمن في طبيعة تكوين الأشخاص في الروايتين ورغباتهم واتجاهات تفكيرهم وارائهم ورواهم ونظراتهم للحياة وطرائق التعاطي مع الأشياء التي من حولهم وطريق الاستجابة والرفض والتماهي والمقاومة والتمرد. ومن هذه الزوايا المعاكسة قد يمكننا ان نلحظ ان رواية اريا – خطوة تحت الإجراء تفردت عن اختها باكورة الأعمال “لعنة الليمون” ومن الزوايا التي كتبت بها لعنة الليمون تفردت عن اريا – خطوة الإجراء، فالاختلاف في كل الأمكنة والأزمنة وفي كل شيء، يعد سنة كونية وبالأخص بين الأعمال الجديدة والقديمة وحتى تلك المنجزة في وقت واحد أو متزامن أو متقارب والروايات مثالًا قائمًا لهذا التفاوت النسبي في كل شيء، ومن هذا المنطلق قد تجدني أشجع الاختلاف واحتفي به وأسهر من أجل تنميته وترقيته والتشجيع عليه.
*نستمع الآن ان بعض كتاب الرواية اعلنوا اعتزالهم التام عن كتابتها رايك؟.
المبدع كالمعلم لا يفتر ولا يعجز ولا يركن لضغوطات الحياة وصروف الأيام والدهور وتقلبات الأوضاع، يمضي إلى الأمام باستمرار وفي ثبات مدهش، المبدع قد يمل ولكنه لا ييأس، يسعى دومًا إلى الأفضل، هناك من يعتزل الكتابة بفعل الاكتفاء والإصابة بتخمة التدوين ولكن لا أحد يستطيع الصمود في خانة الاعتزال طويلًا، تبقى نشوة الكتابة جارفة، لان الكتابة بكل بساطة حالة إبداعية مزاجية تصيب المبدع ولا يمكن الفكاك منها بسهولة وأنَّها كالجذب المغنطيسي قوي ومحدد الإطار وقد يجبرك قسرًا لمعاودة الإبداع والانتاج وبشغف اكبر من ذي قبل.
*التنوع الكتابي ظهر في إصدارتك التوثيقية التاريخ السياسي في السُّودان هل المسئولية المجتمعية أم طبيعة العمل ما دفعت بك لذلك؟.
هذا العمل فعلًا متصل بشكل مباشر بتخصص مهني قديم، أحبه وأبغضه في ذات الوقت، إلا انني ولأهمية الأمر وضرورته القصوى وحاجة المجتمع الملحة له، أسعى على الدوام ولمرات عديدة في إعادة نشر الكتاب بغية تعميم الفائدة ونقل التجربة للمستغلين في السياسة وللأجيال الناشئة.
*عادة يقال شاعر أتجه إلي الرواية، أنت روائي أتجه للشعر حديثاً؟.
أحب مصارعة الأمواج وأعشق السباحة عكس التيار كثيرًا، بيَّد أني لم أعد العدة لذلك في كثير من الأوقات، تأتني فكرة المقاومة هكذا دون سابق نية أو أصرار أو ترقب أو ترصد، وإنٌ علمت أنَّ الرواة أتجهوا للشعر سأتجه فورًا للرواية والعكس صحيح، وأحرص على المدوامة في هذا الحال وأعزم على البقاء فيه وما أنا إلَّا ذلك الشخص الذي نذر نفسه إلى معاداة القديم والمعهود والقائم من الأشياء فيما عدا العادات والتقاليد وارث الريف السُّوداني العميق وموروثات مجتمعنا الكثيف وبعض العبادات.
*كيف تري المشهد الثقافي السوداني الآن ودور النقد؟.
ما زال الوسط الثقافي السُّوداني يحتل موقعًا مرقومًا بين الأمم وخاصة على مُستوى محيطينا المحلي والاقليمي ووكذلك العالمي ويحظى باحتفاء واحترام كبيرين من كافة أجناس الأرض، إلَّا أنَّ كل شيء بدأ يتراجع نسبيًا في محيطينا العربي والأفريقي ولكن ما هذ التراجع إلَّا فترة بيات شتوي وبعدها ستعود المياه والحياة إلى طبيعيتهما ككل مرة وتدخلان في دوامة الوجود من جديد أكثر قوةً وحيويةً وبريقًا وأملًا. وأما فيما يتصل بالنقد والنقاد شأنه شأن الاخرين، فلا يمكن للنقد أن ينمو ويزدهر في غياب الإنتاج، فلا نقد بلا انتاج، فهو يتحرك وينشط بفعل رياح المنجزات الكتابية الإبداعية.
*لو اردنا التعرف عي خططك المستقبلية في مشروعك الكتابى؟.
هناك ثلاث أو أربع أعمال أدبية في الطريق، آمل أنَّ يروا النور في القريب المنظور وهم على سبيل المثال لا الحصر؛ رواية فِلل الدُوسر ورواية حِكاية زول جنَّ ورواية رجل يهوي الخلاف، وإلى جانب أعمال اخرى لا انوي الكشف عنها في هذه المرحلة، انهم مواليد تحت الأضواء الخافتة وأسرة الكتمان. أسركم أن تلك الأعمال الجديدة طي الكتمان طالبتني انَّ لا أبوح بأسمائها لأحد، فأوفيت بالعهد وإن العهد كان مسئولا.
*تهدي نجاحاتك لمن.؟.
لكل من أبرق وراسل وسأل وهنأ، إلى كل دور النشر والنُقاد وزملاء المهنة والمحنة، إلى الهواة والراغبين في سلك المسار، وإلى كل من يسعى نحو الإبداع قيد أنملة، إلى السُّودان المارد المسكون الذي سيخرج من قمقمه وسينتفض عن سجَّانه عما قريب، إلى اسرتي الصغيرة والكبيرة وإلى كل من مشى معي في درب هذا المشوار الطويل وحضني على المضي قدمًا إيمانًا منه بقدرتي في مواصلة المسير على الرغم من وعورة الطريق وضيق الفضاءات وانسداد الآفق والمسالك.
*أخيرًا، ماذا يقول الكاتب والمفكر والروائي بخيت ضحية؟.
كلمتي الأخيرة، أوجهها شكرًا وتقديرًا وعرفانًا جميلًا لكم وأنتهز هذه السانحة لأتقدم بالشكر والعرفان للجميع على الوقفة والتضامن معي في كافة مراحل أعمالي حتى رأت بعضها النور.